top of page

الجندرية

  • صورة الكاتب: د. أنور غني الموسوي
    د. أنور غني الموسوي
  • 28 يوليو 2023
  • 4 دقيقة قراءة

الجندرية؛ النظرية والتطبيق والموقف

الجندر gender ويعني نوع الجنس كلمة قديمة وليست بجديدة وتعني التمايز الثنائي للذكر والاثنى. واما كمصطلح فاول ظهور له على يد الباحثة الاجتماعية الانجليزية (آن اوكلي) واستعمله الطبيب النفسي الامريكي (روبرت ستولر) .

ووفق منظمة الصحة العالمية فان الجندر يعني (وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة على أنها صفات اجتماعية مركبة، أي لا علاقة لها بالاختلافات العضوية والتركيب البيولوجي).

فالجندرية نظام فكري ثقافي اجتماعي يقوم على ان المحور هو الدور الاجتماعي للانسان ذكرا او انثى وان التمييز بين الجنسين الذكر والانثى ليس واقعيا بل هو بفعل المجتمع، لذلك لا بد من تصحيح تلك الافكار للوصول الى النظرة الانسانية الموحدة تجاه كلا الجنسين.

فالجندرية ترى ان ثناية (امراة - رجل) ليست نتيجة حتمية لحقيقة (ذكر- انثى) بل هو نتاج اجتماعي ثقافي. بمعنى وجوب الغاء جميع الافكار التمييزية بين المراة والرجل في المجتمع، بل والغاء فكرة ثنائية (المراة- الرجل) والنظر الى الشخص بانه انسان وشخص بحسب امكاناته وطاقاته ودوره وتحصيله ولا يجب ان يتاثر ذلك بكونه ذكرا او انثى. فلأنثى مثلا ان تتسنم دورا لا يسمح فيه الا للرجال في جميع المستويات الاجتماعية والثقافية والاسرية والتعليمية والسياسية اذا حققت الامكانات اللازمة لذلك اسوة بالرجل. وايضا للرجل الحرية الكاملة بان ياخذ دور المرأة الاجتماعي بلا اية نكارة. بل الجندرية تدعو الى عدم الاهتمام بالجنس (النوع الجنسي) للافراد واداورهم بالمجتمع ويمكن ظهور جنس ثالث هو غير مجنس نوعيا كما يسنب الى الفيسلوفة الكاتبة ( سيمون دي بوفوار).

وفي الحقيقة ان فكرة الجندر مغايرة تماما للفظه (( gender والذي يعني الجنس - من الناحية الاجتماعية. فالصحيح ان تسمى هذه الحركة (ضد- الجندر) antigender . لانها تريد ازالة الفروقات الاجتماعية بين الذكر والانثى بينما نجد حركة (ضد- الجندر) تعطى لمن يعارض الجندر. فيوجد خلل في المصطلح. لذلك فالمصطلح الصحيح (للجندر ) المطروح هو (عبور- الجنس) او الوصف (العابر-للجنس) اي الذي لا يهتم للجنس بالنظرة العابرة للجنس وعدم الاعتناء بكون الشخص ذكر او انثى.

ومع ان الاسس النظرية للجندر هو من علماء نفس الا ان الواقع ان الارهاصات كانت من اصحاب حركات مساندة المراة وحركات حقوق المرأة والمساواة بينهما في الحقوق والواجبات، الى ان وصلت ذروتها الى المطالبة بالتطابق التام بين المراة والرجل اجتماعيا وبما يتجاوز التمايز الجنسي، وانه اصلا لا توجد ادوار خاصة بالانثى ولا ادوار خاصة بالذكر ، وان كل ما هو في عقولنا وموروثاتنا هو نتاج اجتماعي ثقافي وليس حقيقيا.

واحيانا تخرج حركة من رحم حركة اخرى وهي رافضة لها لذلك لا يمكن القول ان اصحاب حركات حقوق المراة يقبلون هذا الاتساع بالمطالب الذي يلغي الفروقات بين الذكر والانثى واخضاع الدور الاسري الى الميل النفسي وليس الى الحقيقة الجنسية والمطالبة بسن قوانين غير ناظرة ابدا الى التمايز الجنسيي حتى على مستوى الزواج ودور التعليم او الاماكن ذات الخصوصية.

ومن اهم تطبيقاته:

اولا: النوع الاجتماعي: بانه يجب الا يكون الفرق البايولوجي بين الانثى والذكر له بعد اجتماعي وثقافي، وجميع تلك الامور التمييزية بينهما يجب ان تلغى وان يكون للشخص نفسه رايا في وضعه الاجتماعي من حيث انه ذكر او انثى. وجواز التحول الجنسي، بل وعدم الاهتمام بنوع الشخص الجنسي وظهور حالة او وضع (الجنس الثالث) اي الشخص اللمجنس من حيث نوعية الجنس.

ثانيا: التوسع في فكرة الاسرة: بان الاسرة لا يجب ان تقوم على علاقة بين رجل وامراة برباط قانوني معروف، بل يمكن ان تتخذ صورة متعددة منها اسرة (الرجل-الرجل) و اسرة (المراة-المراة).

ثالثا: المساواة في الوظيفة الاجتماعية: بان يكون الرجل والمراة متساويا في الوظائف فلا يكون التمييز بالجنس سبا لاعطاء احد الجنسين امتيازات تحت اية ذريعة واهم هذه المظاهر هو (حقوق المرأة).

رابعا: عدم واقعية الامومة: ان الامومة ليست واجبا ولا غريزة بل هي وظيفة اجتماعية تفرضها الامجتمعات وثقافاتها وما يرافقها من مكتسبات. فلا يجب على المراة التي تنجب ان تكون اما لمن انجبت. و ان تكون عملية الانجاب غير مؤثرة على وظيفة المراة حتى لو كان بعدم الانجاب او الاجهاض.

خامساا: جواز العلاقات غير الشرعية: باعتبار ان العلاقات الجنسية التقليدية تؤثر على وظيفة الانسان فيكون اللجوء الى العلاقات المفتوحة والمتنوعة جائزا، وليس فقط بين الجنسين بل بين الجنس الواحد.


يمكن النظر الى الجندرية انها شكل من اشكال التفاعل بين الفلسفة الوجودية والفلسفة النفعية، بل وجدت كلمات النسوية الوجودية في بعض الاماكن. فانها تقوم على الحرية الفردية في تحديد الدور وعلى ان الدور للفرد يعتمد على انجازه، لذلك تقل كثيرا فكرة التعاليم والوصايا وانما هناك نظام اجتماعي مققن يكون لكل فرد فيه ان يختار وضعه المناسب وله ان يصل الى الدور المناسب حسب قدراته وامكاناته من دون النظر الى اي عامل اخر تمييزي لا من جهة الجنس او التعاليم الدينية او الوصايا الاخلاقية، فالجندرية تطبيق عملي لنظام يعتمد الوجودية والنفعية. وهذا الاتجاه لا ينحصر بالجندرية بل يمتد الى امور كثيرة، وسيؤدي الى ظهور عالم جديد مختلف تماما عن العالم الذي نعرفه. ولان المسالة تتعلق بحرية الاختيار والتفكير والخروج من سلطة النظام والمجتمع فان النفس البشرية ستميل اليه وسيجد اذانا صاغية لا ترغب في الانضواء تحت اية مظلة من الوصايا الاجتماعية او الدينية او الثقافية. ولا يظن ان الجندر موجهة اساسا تجاه المرأة بل هو جزء من منظومة فكرية وفلسفة عامة تنظر الى الانسان ككل ولن تبقي جانبا من جوانب وجوده الا وستتدخل فيه، وستؤدي الى ظهور عالم جديد فعلا.

ان المناصرين للجندرية لن يصطدموا بالدين فقط بل سيصطدمون بالمجتمع وبالثقافة وبالمنطق بل حتى بالفطرة، لكن سيكون التبرير الموحد والجاهز ان هذه الامور التي يراعيها الناس ليست حقيقية بل مصطنعة ومن وحي افكارنا ونركن اليها لانها تحقق نوعا من النظام فاذا كان هناك فكرا ونظاما اخر مستغن عنها فان الانسان سيتبناه.

ومن هنا فيكون من الحكمة ان يكون الموقف الشرعي من الجندرة موجه نحو تفرعاتها الجزئية التطبيقية وعدم التعرض الى كلياتها الفضفاضة. وقبول ما يقبله الشرع ورفضه ما يرفضه منها. وعدم دخول رجل الدين او المؤسسات الدينية في صدام مباشر مع الحركة ونفي شرعيتها كليا لان هذا لا ينفع بل ربما لا يصح، وانما الفقيه عليه ان يحكم على التطبيق الجزئي المعين، فانه اسلم واصوب.

وهناك دعوى في دول اسلامية لادخال ثقافة الجندر في المناهج التعليمية والدراسية، وان هذا قد يكون امرا تفرضه اتفاقيات الامم المتحدة، والصائب هو الموازنة هنا بين ضرورة ترسيخ قدسية الدين واهميته في حياة التلاميذ واهمية الثقافة المحلية بجانب طرح افكار للجندرية لا تتعارض مع جوهر الدين وثوابته وثقافات الشعوب الاصيلة، والافضل ان تكون تلك المواد باشراف هيآت دينية وعلمية فقهية، وبيان التوافق بين الدين والامور التي لا تعرض ثوابته. واما الامور التي تتعارض مع الدين وثوابته فلا يجوز القبول بها مطلقا ولا يجوز ان تجعل مواد دراسية تعليمية للطلبة.


المصادر


https://islamonline.net/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%AF%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9-%D8%B4%D8%B1%D8%B9%D9%8A%D8%A9/

https://www.islamweb.net/ar/article/227059/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%AF%D8%B1-%D9%88%D9%85%D8%A7-%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D9%87%D8%8C%D8%8C-%D8%AA%D9%84%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%85%D8%A9-1-2


https://ujeeb.com/%D9%85%D8%A7-%D9%87%D9%88-%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%AF%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A

https://en.wikipedia.org/wiki/Robert_Stoller


https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=685422

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D9%8A%D9%85%D9%88%D9%86_%D8%AF%D9%8A_%D8%A8%D9%88%D9%81%D9%88%D8%A7%D8%B1




 
 
 

المنشورات الأخيرة

إظهار الكل

تعليقات


 

 

أنور غني الموسوي الحلي طبيب وأديب وباحث اسلامي من العراق.  ولد في 29 ذي الحجة 1392 هجري (1973ميلادي) في بابل. درس في النجف الطب والفقه. مؤلف لأكثر من اربع مئة كتاب وظهر اسمه في عشرات المجلات والمختارات الادبية العالمية في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وآسيا وقد فاز بالعديد من الجوائز؛ منها "أفضل شاعر في العالم في عام 2017 من WNWU". وفي عام 2018 تم ترشيحه لجائزة اديليد للشعر وفي عام 2019 تم ترشيحه لجائزة Pushcart. حصل على جائزة روك بيبلز الأدبية من الهند، وجائزة ياسر عرفات الدولية للسلام، وجائزة أكاديمية الروح المتحدة للكتاب للشعر في عام 2019. أنور طبيب استشاري أمراض الكلى وطالب علوم دينية، ومؤلف لأكثر من ثلاث مائة كتاب. ثلاثون منهم باللغة الإنجليزية مثل؛ "A Farmers Chant؛ Inner Child Press 2019،" Color Whispers"   ، AABAS Publishing House، 2019، and "Salty Tales"، Just Fiction، 2019. وهو رئيس تحرير مجلة Arcs Prose Poetry.)

 يعتمد أنور الموسوي منهج عرض الحديث على القران وعدم العمل بالظن.   في 2020 بدأ بمراجعة الحديث والتفسير، ومن ثم بعض العقائد والشرائع، وأصدر مجموعة من الرسائل بين 2020 و2021 وفق منهج العرض والفقه التصديقي، فيها مراجعة لبعض العقائد والمسائل الشرعية والتفسيرية. في 2021 أنشأ مجموعة المدرسة العرضية في الفقه وألف كتابه (معارف الفقه التصديقي). يدعو أنور الموسوي الى (اسلام بلا طوائف) الى (عامية الفقه).  

  

bottom of page