top of page

المدرسة العرضية أنور غني الموسوي

  • صورة الكاتب: د. أنور غني الموسوي
    د. أنور غني الموسوي
  • 6 نوفمبر 2021
  • 6 دقيقة قراءة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. اللهم صل على محمد واله الطاهرين. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان.

هذا بيان للمدرسة العرضية؛ (المدرسة العرضية؛ منهج العرض العلمي التصديقي في فقه الشريعة). والمدرسة هي المذهب المتبع في التعامل مع موضوع معين، وموضوع البحث هنا هو فقه الشريعة. فالمدرسة العرضية تقابل غيرها من المدارس الفقهية، واهمها الأصولية والاخبارية. فالمدرسة العرضية ليست أصولية ولا إخبارية وهذا ما سيتبين في الفصول القادمة.

والمنهج هنا هو الطريقة البحثية في التعامل مع المعطيات العلمية أي الأدلة الشرعية وما تؤدي اليه. وقد ورد لفظ المنهاج في القران والسنة.

والعرض يعني أساسا عرض الحديث على القران. ويتوسع الى عرض جميع المعارف الشرعية النقلية والقولية على القران بالكريم. وينتهي بعرض المعارف الشرعية بعضها على بعض. بعرض المعرفة الجديدة على المعرفة السابقة أي عرض ما هو غير ثابت على ما هو ثابت لبيان مدى توافقه وتناسقه معه.

ومن يعتمد المنهج العرضي يسمى عارضيا. والعرض ليس امرا مختصا بالشريعة بل ان أساس الادراك الواقعي هو عرض المعارف بعضها على بعض، فلا استقرار الا لما وافق ما سبق وكل ما يخالف ما سبق يبقى غير مستقر حتى تتوالى المعطيات مؤكدة له فيأخذ بالاستقرار شيئا فشيئا. فمنهج العرض أداة للإنسان لمعرفة الصدق والحقيقة. وورد في القران نظيره بألفاظ الرد وفي السنة ورد صريحا لفظ العرض.

والعلمية هنا تقابل الظن، فيشمل العلمي القطع والتصديق. فالمعرفة اما ظن او علم والعلم اما قطع او غير قطع، والأخير يحصل بالاطمئنان المميز ويتحقق بان تكون للمعرفة شواهد مما هو ثابت ومعلوم. فالعرض على القران يعني قصد التناسق والتوافق والاتساق، الذي هو من علامات العلم والحقيقة والواقع. فواقعنا ما كان واقعا الا لإنه متسق واي خرق لهذا الا تساق يسمى ظاهرة غير طبيعية. فعرض المعارف على القران يخرجها من الظن الى العلم. والمعارف التي هي ظن كخبر الواحد، يجب عرضها على القران، فان كان له شاهد أصبح علما وصح اعتماده والا كان ظنا لا يصح اعتماده. والمفهوم يتسع لكل معرفة، فما شهد له القران فهو الحقيقة، وما لا يشهد له القران فهو وهم. وبهذا يعلم دخول موافقة القران في تعريف الحقيقة واليقين، فلا علم ولا حق ولا صدق ولا ايمان ولا يقين الا بموافقة القران.

لا بد من التأكيد انه لا تعارض بين العلم (الوضعي) والدين، بل العلم جزء من الدين وكل ما يقره العلم يقره الدين وكل مخالفة بين العلم والنص الشرعي فأما ان يحكم بظاهرية النص الشرعي او يأول. ولا يقال ان العلم الوضعي مرحلي تغيري، فان النص الشرعي ظاهري واسع يسع هذا التغير. والمعرفة تحمل على العلم فان بان التغير تحمل على التغير الجديد بلا اشكال، وهذا من خصائص الحقيقة الطبيعية في الادراك البشري العادي وهو كاشف عن عدم تمام قصد المثالية وان القصور مترسخ في المعرفة البشرية ودال على الكمال لله تعالى وحده.

والتصديقي هنا أي ان المعارف يصدق بعضها بعضا، فتتناسق وتتسق إضافة الى عدم الاختلاف، بان يكون للمعرفة الجديدة أصل وشاهد ومصدق في المعارف المعلومة الثابتة من القران والسنة يصدقها ويشهد لها. وستعرف ان الأصل اما مصدق او شاهد للفرع الذي يصدقه. والتصديق او (المصدقية) هي محور منهج العرض وعليه مداره، ولذلك سيكون تفصيل فيها. والتصديق ورد نصا في القران وورد لفظ (مصدق) وورد مثله في السنة.

والفقه الفهم وهو في المعارف بشكل عام العلم، والعلاقة بين العلم والمعرفة على ما استخلصته ان العلم طريق للمعرفة وصفة لها، بينما المعرفة هي الادراك وهي النهاية. ولذلك فالفقه هو العلم بالشريعة واصله من هذه الجهة التفقه، فان الفقه بحسب السنة هو العمل بالعلم وليس العلم وحده، وليس هنا موضع بيانه.

والشريعة هنا المعرفة الدينية الإسلامية، ولا ريب في وجود تداخل لغوي عرفي وفي الوعي بين الدين والشريعة الا ان كل منهما وجه لمعرفة واحدة فحينما ينظر اليها من جهة المعتقِد فهي دين وحينما ينظر اليها كمعرفة فهي شريعة. فالدين في أصله ما يدين به الانسان والشريعة في أصلها الطريقة، وكلاهما صفة لمعرفة واحدة الا انهما يختلفان من جهة الملاحظة والنظرة لتلك المعرفة. ولأننا نتعامل أساسا هنا باعتبار المعارف الدينية شريعة وطريقة وكيف نتوصل اليها كان لفظ الشريعة انسب. فالمقصود هنا كل ما يتعلق بدين الانسان، بل ان البحث هنا يقدم فلسفة إسلامية شرعية بخصوص نظرية المعرفة ولو من خلال بيان المثال والمصداق. لان المعرفة الشرعية هي جزء من المعرفة البشرية وليست شيئا مباينا في قبالها.

فالخلاصة المدرسة العرضية تعنى بعرض المعارف الشرعية بعضها على بعض بعرض الجديد على ما هو ثابت ومعلوم منها، فلا يقبل الا ما كان له شاهد ومصدق مما هو ثابت ومعلوم من القران والسنة. وبعبارة أكثر تحديدا هو عرض المعارف النقلية والقولية على المعارف الثابتة المعلومة من محكم القران الكريم وقطعي السنة.

ان الغرض من منهج العرض في فقه الشريعة هو الوصول الى معارف شرعية صادقة حقة متسقة متناسقة في الشريعة. ومع ان المدرسة الأصولية نقدية الا انها تقبل الظن وخبر الواحد ومع ان المدرسة الإخبارية علمية الا انها تسليمية لا نقدية، وظاهرية، فلدينا المدرسة الظنية وهي السندية (الأصولية) والتسليمية (الإخبارية) الظاهرية، والمدرسة العلمية (العرضية) التصديقية. وستعرف ان المدرسة العلمية العرضية هي الاقدر على تحصيل معارف شرعية متناسقة متوافقة متسقة غير مختلفة ولا متباعدة وهذه كلها علامات الحقيقة والصدق وفق البيانات الشرعية الإسلامية وأيضا وفق تعاريف الفلسفة الحديثة.

فصل في الأصول الشرعية وفروعها.

الأصل في اللغة الأساس، يقال: أصل الشيء: أساسه ومرتكزه. قال تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ [إبراهيم/24] أي أساسها ومرتكزها. وهو كذلك في قوله تعالى: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ [الحشر/5]. والاصل في الأمور الاعتبارية بهذا المعنى ايضا، فاصل المسألة أساسها ومرتكزها. وبخصوص المعارف فان أصولها تعني المعارف الأكثر رسوخا وثبوتا والتي يكون لها جانبان في الملاحظة والوعي؛ الأول انها المرتكز والمعتمد لغيرها بتصديقها وشهادتها لها والثانية انها الأساس الذي تكون منه. فتكون تلك المعارف الراسخة اصولا وما يرتكز عليها ويتأسس عليها هي الفروع.

للمعارف الشرعية اصلان هما القران والسنة، ومنهما تتفرع باقي المعارف، وهذا التفرع حقيقي وليس اعتباريا فقط، فانه حقيقي في نفس الامر وفي طريقة تولد وتكثر المعارف الشرعية في نفسها مستقلة عن المتلقي والمطلع والعارف بها. وستعرف ان الأصول الشرعية من قران وسنة لها جانبان من البحث، الأول بما هي مصدقات والثاني بما هي أسس. والجانب التصديقي يعني ان يكون في الأصل ما يدعم ويساند ويصدق الفرع، وهذا يكون بطريقتين: الأولى بالتفرع الدلالي والثانية بالتفرع المعرفي. واما الجانب التأسيسي فان المعارف الشرعية تبنى على الأصول وعلى أصل الأصول الذي هو القران، ومنه تتفرع السنة التي هي أصل أيضا من حيث استقلال الحجية، فالسنة أصل من وجه بما هي حجة مستقلة وفرع من وجه بان ثبوتها مرتكز على القران. ومنهما تتفرع الفروع الاستنباطية. وحقيقة المعارف الاستنباطية انها خصائص طبيعية للمعارف النصية الاصلية، حيث ان كل نص له ابعاد فكرية ومعرفية وظلال في الوعي وبممارسة العقل كمدرك وكمحلل، تكون مسؤولة عن إعطاء التصور الكامل للمعرفة المتصلة بالأصل. فالمعارف الاستنباطية في الحقيقة تنتمي الى المعارف النصية انتماء جزئيا حقيقيا وما يقوم به المستنبط ليس تكوينها ولا جعلها بل اكتشافها وتبيينها وابرازها.


المعارف الفرعية تتفاوت في درجة القرب والبعد من المعارف الاصلية دلاليا ومعرفيا، وكلما كانت أقرب من حيث المضامين والإخبارات والاتجاهات كانت أوضح بالانتماء وكلما كانت ابعد كان انتماؤها اقل وضوحا. وان درجات القرب والبعد بين الفرع والاصل وبين الأصول وبين الفروع بل بين جميع المعارف يدرك من خلال الموقف الفكري والتشابه والاختلاف في الوصف للموضوعات التي تتعلق بها المعارف، من حيث السلب والايجاب باتجاه مؤشر معين او من خلال الخصائص التي تتمظهر بها، فاهم جانبين يدرك بهما القرب والبعد هما الشكل والمضمون والتعامل معهما واضح جدا وراسخ في وجدان الانسان وفطرته.

والتصديق (المصدقية) في الوعي والجدان قد يكون بوجود مصدق مطابق او مصدق موافق دلاليا، او وجود شاهد معرفي مطابق او موافق معرفيا. وعدم الموافقة قد تكون بالتعارض؛ سواء التعارض المستقر التام او التعارض الذي لا يقبل الجمع عرفا، او بعدم الاتساق وعدم التناسق دلاليا او معرفيا. والاطلاق والعموم الظاهري لا يمنع من العمل بالتخصيص والتقييد ان كان للتخصيص والتقييد شاهد ومصدق. ويأتي تفصيل ذلك.

والأصول بحسب المدرسة العرضية هي النصوص القرانية والسنية، من آيات وروايات، وهي في الواقع المضامين، فالنص من اية ورواية قد يحتوي أكثر من مضمون، كما ان مضمونا معينا قد يتكون من أكثر من نص. ومن تلك المضامين تتفرع الفروع الاستنباطية، بعملية اشتقاق لفظية ومعرفية عقلائية واضحة.

ان العرضية تسعى الى ربط الفروع بالأصول وجعل عالمها واقعيا من حيث المعرفة والقرابة والاتصال والترابط فلا غرابة ولا فراغات ولا قفز ولا عدم تفسير بل كل شيء واضح ومفسر ومبين وفق طريقة العقلاء وفطرتهم في الادراك والاستقرار والثبوت.

وهنا يبرز مفهوم الغيب، فالغيب ليس مجرد اخبار عن امر غائب من دون مناسبة معرفية بل ان الغيب متصل بالحاضر اتصالا معرفيا طبيعيا، فالانتقال من الحاضر والشهود الى الغيب هو انتقال تطوري وليس طفرة حدوثية. والايمان ليس امرا تسليميا بل هو امر موضوعي منطقي دوما. ومن هنا يمكن فهم الغيب بانه معارف مستقبلية بالمعنى الفلسفي وانه علوم متطورة من جهة القدرة والامكانية، وبعضها يحتاج الى لطف إلهي لتدرك، وهذا ما يحصل في الانتقال من الدنيا الى الاخر، فالانتقال من الدنيا الى الاخر هو انتقال ادراكي تطوري وليس خلق نوع مختلف من الادراك، كما ان جميع الخصائص في الواقع الغيبي ومنه الاخروي يمكن تفسيرها فيزيائيا الا انها فيزياء عالية أي فيزياء مستقبلية يعجز العقل الان عن ادراكها ويحتاج الى لطف إلهي ليتمكن من ذلك. وعلى كل حال فالواقعية والطبيعية والتناسقية والاتساقية والعلمية والفيزيائية أمور مترسخة في الادراك البشري وليس هناك ما يدل قطعا على نسخها او رفعها ولو في الاخرة بل الدلائل على خلافه. فالغيب له أصول في الحاضر، والباطن يجب ان يكون له مصدق في الظاهر، والايمان يجب ان يكون له شاهد في التجربة، والمستقبل يجب ان يكون له مصدق في الواقع. هكذا تتفرع المعارف بلا قفزة معرفية ولا فراغ، وكل ما ليس له أصل او شاهد او مصدق فهو ظن لا يصح اعتماده. وهذا أيضا يبين وجه العلاقة بين مجموعة المعطيات الإدراكية في الشريعة من ادلة او معارف حقيقية واعتبارية، فالحقيقي يقدم على الاعتباري، ويكون أصله ويكون بمثابة الواقع له ويكون الاعتباري والانتزاعي ظاهريا بالنسبة له، والظاهري يجب دوما ان يحمل على الواقع، فان اختلف معه حكم بانه ظن لا يعمل به، وان ثبت صدوره حكم بانه متشابه فيؤول. وهذا من قواعد الفقه التصديقي العرضي الذي يتميز به عن الفقه اللفظي السائد.



ree










 
 
 

المنشورات الأخيرة

إظهار الكل

تعليقات


 

 

أنور غني الموسوي الحلي طبيب وأديب وباحث اسلامي من العراق.  ولد في 29 ذي الحجة 1392 هجري (1973ميلادي) في بابل. درس في النجف الطب والفقه. مؤلف لأكثر من اربع مئة كتاب وظهر اسمه في عشرات المجلات والمختارات الادبية العالمية في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وآسيا وقد فاز بالعديد من الجوائز؛ منها "أفضل شاعر في العالم في عام 2017 من WNWU". وفي عام 2018 تم ترشيحه لجائزة اديليد للشعر وفي عام 2019 تم ترشيحه لجائزة Pushcart. حصل على جائزة روك بيبلز الأدبية من الهند، وجائزة ياسر عرفات الدولية للسلام، وجائزة أكاديمية الروح المتحدة للكتاب للشعر في عام 2019. أنور طبيب استشاري أمراض الكلى وطالب علوم دينية، ومؤلف لأكثر من ثلاث مائة كتاب. ثلاثون منهم باللغة الإنجليزية مثل؛ "A Farmers Chant؛ Inner Child Press 2019،" Color Whispers"   ، AABAS Publishing House، 2019، and "Salty Tales"، Just Fiction، 2019. وهو رئيس تحرير مجلة Arcs Prose Poetry.)

 يعتمد أنور الموسوي منهج عرض الحديث على القران وعدم العمل بالظن.   في 2020 بدأ بمراجعة الحديث والتفسير، ومن ثم بعض العقائد والشرائع، وأصدر مجموعة من الرسائل بين 2020 و2021 وفق منهج العرض والفقه التصديقي، فيها مراجعة لبعض العقائد والمسائل الشرعية والتفسيرية. في 2021 أنشأ مجموعة المدرسة العرضية في الفقه وألف كتابه (معارف الفقه التصديقي). يدعو أنور الموسوي الى (اسلام بلا طوائف) الى (عامية الفقه).  

  

bottom of page