الموافقة والمخالفة
- د. أنور غني الموسوي
- 27 مايو
- 5 دقيقة قراءة

معنى الموافقة والمخالفة
المشهور والمعروف ان الموافقة عدم التعارض والمخالفة التعارض، لكن الحق ان الموافقة هي وجود شاهد ومصدق وليس فقط عدم المعارضة، والمخالفة عدم وجود شاهد ومصدق وليس وجود التعارض، اذ ان غاية العرض ليس تجويز وامكان المعرفة بل الحكم بوجوبها وانها حق وصدق وعلم وهذا لا يكون الا بوجود شاهد ومصدق وليس عدم المعارضة فقط.
وهذا ليس فقط مقتضى غايات العرض بتخليص المعرفة من الظن بالاتصال المعرفي المتن بل هو ظاهر النصوص الخاصة بالعرض.
ويمكن القول ان الاقوال في معنى الموافقة تنتهي الى قولين رئيسيين:
الاول: ان الموافقة عدم المعارضة والمخالفة هي المعارضة، وهذا هو المشهور.
الثاني: ان الموافقة هي وجود شاهد ومصدق في القران للمعرفة وليس فقط عدم المعارضة والمخالفة عدم وجود شاهد ومصدق وان لم تكن معارضة.
والدليل والدافع للقول الاول هو الفهم الابتدائي للعرض وانه تصحيح للحديث وانه المتيقن لأجل اطلاقات الاخذ بالسنة، لكن مجرد عدم المعارضة انما تعني الجواز والامكان ولا تعني الحق والصدق، فالحديث المعارض باطل فعلا وهذا تام ولا اشكال فيه، لكن الحديث غير المعارض لا تكفي عدم المعارضة لاثبات اتصاله المعرفي وكونه حقا وصدقا، فلا يثبت الصدور بل فقط امكانه فيبقى ظنا. وانما يثبت الصدور وانه حق وصدق وعلم هو اتصاله المعرفي بوجود شاهد ومصدق له.
وبعبارة واضحة جدا: غاية العرض هو بيان كون الحديث حق وصدق وهذا لا يمكن القول به الا باثبات الاتصال المعرفي والاتصال المعرفي وفق العرض هو وجود شاهد يصدق الحديث. واما مجرد عدم المعارضة فلا يحقق الاتصال المعرفي وبهذا المعنى جاءت النصوص التفصيلية كما سترى.
لا يقال ان اوامر العمل بالسنة مطلقة فيجب العمل بما ليس له شاهد ولا معارض من القران. وفيه ان اطلاقات العمل يكون بالسنة المعلومة اما الحديث الاحادي وان صحح سنده فان يكون من الظن. ولقران امر بالأخذ بالعلم ونهى عن الظن، والسنة علم وليس ظنا، فما ليس له شاهد ظن ليس من المأمور الاخذ به. والتوهم الاكبر الذي وقع فيه من رفض حديث العرض هو المساواة بين السنة والحديث واعتقاد ان العرض للسنة وان علمت وهذا ليس تاما، فالمعلوم من السنة لا يعرض بل العرض للنقل الظني المنسوب الى السنة. ومن هنا يظهر ما في القول بالأخذ بالمتيقن فانه ناتج عن فهم تعارض ظاهر الاطلاق بالأخذ وظاهر الموافق، والحق ان الاخذ للسنة والموافقة للحديث، وبالموافقة يكون الحديث سنة، فيدخل في الاطلاق، فمتعلق الحكمين مختلف فلا تعارض للأخذ بالمتيقن. وسترى ان النصوص التفصيلية تعرف الموافقة بوجود الشاهد وليس فقط عدم المخالفة وعدم التعارض.
وقد يقال ان الموافقة هي مطلق التوافق فيكفي عدم التعارض ولا يجب الشاهد وفيه اولا: ان الموافقة بمعنى عدم المخالفة امر عرفي، والعرف اللغوي لا يرى نصا موافقا لنص الا بوجود شبه ومشاكلة ومماثلة بينهما وليس مطلق عدم المخالفة، بل ان لم يجدوا الشاهد والمصدق والتشابه والتماثل فانهم يحكمون بالغرابة والبعد ان لم يكن مخالفة. وثانيا: ان من أحاديث العرض ما دل على ان الموافقة هي خصوص الشواهد والمصدقات وانه الحقيقة والنور. ثالثا: ان الغرض من العرض هو تحقيق الاطمئنان واخراج الحديث الظني الاحاد من الظن الى العلم بالاتصال المعرفي ولا ريب ان مجرد عدم المخالفة لا يحقق ايا من ذلك، فالحديث غير المخالف والذي ليس له شاهد هو ظن ولا يصح اعتماد الظن. ورابعا: ان حديث العرض لم يكن تأسيسا لسلوك او منهج منقطع عن المعارف القرآنية الاخرى بل هو فرع المصدقية و مصداق تطبيقي لها بل هو في الحقيقة تطبيق لما جاء به القران من المصدقية – أي وجود الشاهد والمصدق- فيحمل عليها. وخامسا ان الغرض من العرض هو تحقيق اتصال معرفي بين المعارف الشرعية ومن دون الشواهد في المصدقات فانه لا اتصال بل يكون هذا انقطاع. وسادسا: ان العقلاء – بالرد العقلي- لا يحكمون بالتوافق والتناسق بين شيء واخر الا بوجود شيء من التشابه بينهما وهذا هو الاتساق وهو أساس الواقع والصدق الظواهري، واما ان غاب ذلك فانهم يحكمون بالغرابة. فالحكم بالموافقة والمخالفة هو قريب من الحكم بالقرابة والغرابية، ومن دون شبه او مماثلة – اي شاهد ومصدق- فانه لا يحكم بالقرابة بل يحكم بالغرابة.
ومن ادلة كون الموافقة وجود شاهد ومصدق
الآيات
1- (وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ). مصدقا أي ان له شاهد. والامر بالايمان يشير الى او يقرر معرفة الايمان والعمل بالمعرفة المصدقة. وهو علامة الحق والصدق.
2- (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ). مصدقا أي له شاهد. والخبر بكفرهم – بعدم الرضا ومقام الذم لهم- يشير الى ويقرر معرفة عدم جواز انكار وترك ما هو مصدق وهو علامة الحق والصدق.
3- قوله تعالى (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ). مصدقا أي له شاهد. والخبر انه بالحق يشير الى ويقرر معرفة حكمة وصدق ما هو مصدق. وهو علامة الحق. وهذا الايات تشير الى ان المصدقية شرط في الكتابية.
الاحاديث
1- لفظ (من حدثكم حديثا يضارع القرآن فأنا قلته، ومن حدثكم بحديث لا يضارع القرآن فلم أقله )
حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب أن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال: سيأتي ناس يحدثون عني حديثا، فمن حدثكم حديثا يضارع القرآن فأنا قلته، ومن حدثكم بحديث لا يضارع القرآن فلم أقله، فإنما هو حسوة من النار. ) أقول هو من الاحاديث التي شرحت معنى الموافقة و عبر عنها ( بالمضارعة) . والمضارع: الذي يضارع الشيء كأنّه مثلُهُ وشِبْهُه وهذا هو الشاهد.
2- لفظ (فما عرفه القرآن فالزموه وما أنكره فردوه.)
الكامل و البداية و النهاية. قال امير المؤمنين عليه السلام : الزموا دينكم واهدوا بهديي فإنه هدي نبيكم واتبعوا سنته وأعرضوا عما أشكل عليكم حتى تعرضوه على القرآن فما عرفه القرآن فالزموه وما أنكره فردوه. ت ما عرفه بشاهد.
3- لفظ (فوجدتموه له شاهد من كتاب الله أومن قول رسول الله (صلى الله عليه و اله) و إلا فالذي جاءكم به أولى به )
ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال سألت أبا عبد الله (صلوات الله عليه) عن اختلاف الحديث يرويه من يثقبه و فيهم من لا يثق به فقال إذا ورد عليكم حديث فوجدتموه له شاهد من كتاب الله أومن قول رسول الله (صلى الله عليه و اله) و إلا فالذي جاءكم به أولى به . و الحديث صحيح سندا. وفائدة هذا الحديث انه مفسر للعرض بذكر الشاهد و ذكر السنة.
4- لفظ (إن كلام آخرنا مثل كلام أولنا، وكلام أولنا مصداق لكلام آخرنا ) مصداق أي مصدق.
عن يونس بن عبد الرحمن عن على أبي الحسن الرضا صلوات الله عليه : قال لا تقبلوا علينا خلاف القرآن فإنا إن تحدثنا حدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة، إنا عن الله وعن رسوله نحدث، ولا نقول: قال فلان وفلان فيتناقض كلامنا، إن كلام آخرنا مثل كلام أولنا، وكلام أولنا مصداق لكلام آخرنا، وإذا أتاكم من يحدثكم بخلاف ذلك فردوه عليه وقولوا: أنت أعلم و ما جئت به. وهو صحيح السند.
5- لفظ ( فوجدتم عليه شاهدا أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به، وإلا فقفوا عنده )
الكافي: قال الباقر عليه السلام :إذا جاءكم عنا حديث فوجدتم عليه شاهدا أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به، وإلا فقفوا عنده، ثم ردوه إلينا، حتى يستبين لكم.
6- لفظ (لا يصدقه كتاب الله فهو باطل )
المحاسن. قال الصادق عليه السلام ما أتاكم عنا من حديث لا يصدقه كتاب الله فهو باطل. تعليق لا يصدقه اي ليس فيه شاهد له، والرواية ذكرت نصا لفظ (يصدق).
7- لفظ (فقسهما على كتاب الله وعلى أحاديثنا، فإن أشبههما فهو حقّ، وإن لم يشبههما فهو باطل )
العياشي: قال ابو الحسن الرضا عليه السلام إذا كان جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب الله وعلى أحاديثنا، فإن أشبههما فهو حقّ، وإن لم يشبههما فهو باطل)) تفسير العياشي. تعليق اشبههما اي له شاهد منهما.
8- لفظ (فإن مع كل قول منا حقيقة وعليه نور، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه فذلك قول الشيطان )
الكشي: قال ابو الحسن الرضا عليه السلام إن كلام آخرنا مثل كلام أولنا، وكلام أولنا مصداق لكلام آخرنا، وإذا أتاكم من يحدثكم بخلاف ذلك فردوه عليه وقولوا: أنت أعلم و ما جئت به، فإن مع كل قول منا حقيقة وعليه نور، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه فذلك قول الشيطان.) . ت والنور هو الشاهد.
المنشورات الأخيرة
إظهار الكلالحيض والطهر (فترة عدمه) أمور عرفية علمية طبية ويتراوح الحيض بين ٢ إلى ٧ يوم كل ٢١ إلى ٣٥ يوما فما يكون ضمن ذلك فهو طبيعي وحيض. ما يحدد...
تعليقات