قضاء الصلاة الفائتة
- د. أنور غني الموسوي
- 6 نوفمبر 2021
- 5 دقيقة قراءة
لكل صلاة وقت يجب أداؤها فيه قال الله تعالى (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء/103] والإقامة ليس الأداء بل الأداء تاما ومنه الوقت، فعلى الانسان ترك ما يعلم انه يمنع من التمام واتيان ما يعلم انه لا يأتي بتمام الصلاة الا به، والا كان مضيعا قال الله تعالى (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم/59] وهذه وان كانت في الكافرين الا ان عمومها العملي بالنهي عن التضييع تام يشمل المسلم من دون ترتيب الحكم والنتيجة. فالحفاظ على الصلاة بتمامها واجب قال الله تعالى (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة/238] وان الصلاة الوسطى هي العدلى وليست ما بين وقتين ق وقال تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المؤمنون/9] وهذه الاية في علامات المؤمنين المفلحين وهو خبر بمعنى الامر. بل في سورة المعارج انها من صفات المصلين قال تعالى (إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج/22، 23] ثم قال في الاية (34) (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المعارج/34] فينبغي الحذر الشديد. ولاحظ كم مرة تكرر التأكيد على المحافظة الى الصلاة واقامتها تامة. والوقت من التمام، ولو ترك الانسان ما يعلم انه بتركه تفوت الصلاة وهو قادر عليه فهو مضيع وغير محافظ، وكذا لو اتى بما يعلم ان بإتيانه تفوت الصلاة.
ولقد قيل ان الواجب الغيري لا ثواب عليه وان المقدمة الحرام (المحرم الغيري) لا اثم عليه وهو بلا مصدق، بل ان اجتهد الانسان بتوفير الأسباب التي تعينه على صلاة الصبح وخالف هواه اثيب على ذلك، وإذا تهاون وتكاسل واتى بما بعلم انه يسبب تضييعه لصلاة اثم على ذلك قال الله تعالى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ*وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ {الزلزلة:7ـ 8}. فتكون تلك الأفعال التي تدخل في الاجتهاد والانقياد بعنوان ثانوي طاعات يثاب عليها وليست مجرد مباحات وتلك الأفعال التي تدخل في التهاون والتضييع بعنوان ثانوي تصبح آثاما وليست مباحات فقط. بينما يرى الفقه اللفظي ان تلك الأفعال التي توافق الهوى وتضيع الصلاة او تلك التي تخالف الهوى وتحفظ الصلاة على اباحتها بلا بر ولا اثم، وهو من غفلات الفقه اللفظي.
ومن فاتته صلاة لعذر او لغير عذر وجب قضاؤها قال الله تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ [الروم/31] واقامتها حفظها وتمامها، وقال تعالى في صفة المتقين (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ [البقرة/3] وقال في صفة المؤمنين في سورة التوبة (وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ [التوبة/71] وقال الله تعالى (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [طه/14] اب لتذكرني وقيل انه حين تذكرها وهو ظن، وقيل ان في تفسيرها سنة عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ { أَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } أقول الظاهر ان التأويل من الراوي وليس من النبي صلى الله عليه واله حيث جاء في لفظ اخر لأحمد ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا وَلَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ قَالَ بَهْزٌ وَقَالَ هَمَّامٌ سَمِعْتُهُ – أي قتادة- يُحَدِّثُ بَعْدَ ذَلِكَ وَزَادَ مَعَ هَذَا الْكَلَامِ { أَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } ففي معرفة السنن والآثار للبيهقي عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من نسي صلاة ، فليصلها إذا ذكرها ، لا كفارة له إلا ذلك » قال همام : سمعت قتادة يحدث بعد ذلك ، فقال : « أقم الصلاة لذكري » وفي البخاري صحيح البخاري عن هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ نَسِىَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا ، لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلاَّ ذَلِكَ » . ( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِى ) قَالَ مُوسَى قَالَ هَمَّامٌ سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ ( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِى ) و في صحيح مسلم عن همام حدثنا قتادة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك قال قتادة وأقم الصلاة لذكري. بل في شرح معاني الآثار عن همام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها الا ذلك قال ثم سمعته يحدث ويزيد فيه أقم الصلاة لذكرى. بل هذا هو أيضا ظاهر رواية الزهري بانه قول الزهري ففي اوسط الطبراني (عن الزهري، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها » ، ثم تلا : ( أقم الصلاة لذكري) والظاهر ان الذي تلا هو الزهري. وعلى هذا يحمل غيره الذي ظاهره ان الكلام من النبي صلى الله عليه واله، وعن البيهقي (قال يونس وكان ابن شهاب يقرؤها لذكرى وفي حديث احمد للذكرى) وهذا تأويل صاروا اليه لقصور النص (لذكري) على الدلالة على القضاء بل هو ذكر الله تعالى. وهذا التأويل ورواية التأويل ظن لا شاهد له، لكن قوله عليه السلام (فليصلها إذا ذكرها) مصدق وله شاهد الا انه لقطعية سعة القضاء في العبادات يحمل على الندب المؤكد ان لم يعد تهاونا والفورية احوط.
فإقامة الصلاة حفظها وادامتها، فيجب قضاء الصلاة الفائتة وينبغي ان يكون على الفور مع الإمكان وعدم العسر، لإنه مقتضى الإقامة. ولسعة وقت القضاء ولا يجب الترتيب للسعة واليسر ولا تزاحم الفريضة الفائتة صاحبة الوقت ولا النفل الراتب ولا المخصوص لسبب من مكان او زمان ويقدم القضاء على غير ذلك، نعم الأفضل الاحوط تقديم القضاء على كل صلاة الا الفريضة صاحبة الوقت.
ويجب في القضاء ان تكون الصلاة تامة وان فاتت مقصورة او اضطرارية، ولا تجزي المقصورة لأمر الإقامة ولان وقت القضاء موسع، الا ان يعلم انه لا يتمكن من أدائها تامة الى وفاته. فالمريض الذي لا يستطيع ان يأتي بالصلاة تامة لا يجوز له القضاء الا ان يعلم انه لن يأت بها تامة حتى الموت. ويجب القضاء الا ان يستمر العذر حتى الموت وعليه الوصية بها. ومن ترك أداء العبادة بعذر او بغير عذر لم يجب على الوارث الأداء عنه للأصل قال تعالى (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام/164) وما قيل وروي خلاف ذلك بلا شاهد. ويجب على الميت الوصية بها لوجوب الاتيان بها ولو تعذر المباشرة وجب التوصل بالغير. هذا وان كل عبادة إذا لم يؤت بها في وقتها صارت قضاء، ولم تحتج الى دليل على وجوب القضاء فالقضاء أصل لا يحتاج الى دليل وهذا في كل عبادة قال الله تعالى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة/185] وهو من المثال لكل عبادة واصل في وجوب القضاء وان أداء العبادة وقضاؤها مبني على اليسر، فيجب القضاء بزوال العذر، ولا تجب الفورية في القضاء نعم تستحب ما لم يعد التأخير تهاونا ولا يجب الترتيب ان تعددت الفوائت، والترتيب افضل. وبأصل الإقامة يكون القضاء تاما وان كان الأداء اضطراريا، وإذا زاحمت العبادة التي ليس لها قضاء عبادة لها قضاء قدمت العبادة التي لها قضاء تقديما لما لا يتدارك على ما يتدارك.
هذا وان الفورية والترتيب في قضاء العبادات أفضل بل واحوط فان الله تعالى قال في صفة المؤمنين المفلحين (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المؤمنون/9]) وقال في صفة المصلين المكرمين (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج/23] وهو من المثال فيجب المحافظة على كل عبادة، ولقول النبي صلى الله عليه واله (نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ) وفي لفظ (ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ) وهو مصدق وهو أصل في الأداء فيعدى ندبا الى القضاء للعلم القطعي بالسعة.

المنشورات الأخيرة
إظهار الكلالحيض والطهر (فترة عدمه) أمور عرفية علمية طبية ويتراوح الحيض بين ٢ إلى ٧ يوم كل ٢١ إلى ٣٥ يوما فما يكون ضمن ذلك فهو طبيعي وحيض. ما يحدد...
تعليقات